أصدرت وزارة المغتربين مشكورة تعميما حمل الرقم 885 بتاريخ 24/10/2012م، مرفقا بكشف يتضمن إلغاء الرسوم الغير قانونية المفروضة على المغتربين لاستخراج جواز السفر، وهي خطوة جيدة تسير ونسق الشفافية المنادى بقوة تفعيله في النظم المؤسساتي للدولة المدنية، ولست أدري أتكامل التنسيق قبل إصداره مع الوزارات ذات الصلة كوزارة المالية والخارجية أم أنها خطوة ارتجالية بنيت على تفاهمات شفهية.
وعليه: هل أصدرت الوزارات المذكورة مذكرات للقنصليات بذلك، أم أن هذا التعميم لن يجني منه المغترب سوى المشادات الكلامية في السفارات المختلفة، ليستقر الأمر في نهاية المطاف بسيره في درب قرارات حكوماتنا المتعاقبة.
ولا شك أن الكثير من قنصليات اليمن على قدر كبير من الوطنية والمهنية والنزاهة والتفاني في خدمة إخوانهم المغتربين، بما يخفف عنهم وحشة الغربة، ويعينهم على قضاء مصالحهم، وبالمقابل فكم سمعت من أصدقاء يشكون الجشع والتعالي واللامبالاة بأبسط حقوقهم من بعض الملحقيات والقنصليات في بعض الدول.
ومن ثم ورغم أن التعميم يتناول الجانب المادي فقط، إلا أنه يجدر التساؤل: هل سيتم تطبيقه، والأهم: هل سيجد متابعة من المعنيين، وإصغاء لمن يشتكي مخالفته وإجراء اللازم حال ثبوته، ليشعر المغترب بحضور دولته، ومكافحتها لبعض صور الفساد أفعالا لا أقوالا.
ولعل من أبرز ما دعاني لتناول هذا الموضوع ما يمثله جفاء التعامل من بعض القنصليات نحو مواطنيهم وما يعكسه من صورة سيئة عن مسؤولي الدولة التي لا تختلف كثيرا عن بعض مسؤولي الداخل فسادا وتكبرا وبعدا عن معاناة الناس الذين ما وجد هؤلاء في مناصبهم إلا لخدمتهم، مما يستوجب وبإلحاح الالتزام بمعايير التعيين في السفارات من كفاءة وغيره بعيدا عن الحزبية والمحسوبية والوساطة والقرابة..، لأن هذه المناصب تعكس المستوى الفكري والسلوكي لليمن، وكفانا مصيبتنا في الداخل، فهلا راعينا سمعتنا في الخارج.
وفي اتصال وثيق بالتعميم، ولأني أعيش حالة اغتراب طلاب اليمن، فإني أؤكد على الاهتمام في مثل هذه التعميمات بحالة طالب العلم المغترب، مستشهدا لذلك بما وقع لي وأود ألا يتكرر مع الحالات التي ستأتي بعدي ممن صحبوا أسرهم في سفرهم، فعندما دفعت جواز سفر الزوجة المضاف به الاولاد لتجديده، هالني حجم المبلغ المطلوب الذي لا أبالغ إن قلت إنه يقترب من نصف المنحة، ويعلم الجميع ضعف منحة الطالب اليمني أصلا، ولما تساءلت عن إمكانية تخفيض المبلغ أُجبت أن هذه التسعيرة الرسمية من اليمن، فلم أجد غير دفع المبلغ مكرها مستلما الإيصالات الرسمية بذلك، والتي قاربت الخمسين ألف ريال، مع أن الاولاد سنهم بين الرابعة والتاسعة، وكانت رسومهم تساوي نفس رسومي بل زادت عن آخر مرة جددت فيها جوازي السابق، وكان الاندهاش حقيقة في رسوم الزوجة إذ تجاوزت المائة دولار، إي أنها تزيد على رسومي بثلاثة أضعاف، فإذا كان الطالب وهو لديه منحة يدفع ربع تلك الرسوم، فلم زوجته التي لا تستلم أي منحة كطلاب بعض الدول العربية تدفع أضعافها، أفلا يكفي ضعف المنحة هما وكدرا لنزيده رسوما أضعاف رسومه، وإذا كان ولابد من دفعه للرسوم التي بها سيتحسن وضع الاقتصاد الوطني، ألا ينبغي مراعاة أنها زوجة طالب يمني فتدفع نفس الرسوم المفروضة على الطالب وذلك أضعف الإيمان، أم أنه لا بد من معاقبته في حرصه على استصحاب أسرته والمحافظة عليها، وكف يده عن الاستدانة إن لم يكن التسول لاستخراج تذكرة سنوية توصله إليهم.
حقيقة أن وضع المغترب عموما ومبتعثي الدراسة خصوصا يحتاج إلى مزيد عناية من الجهات المعنية، فهم مرآة عاكسة لليمن واليمنيين، وقد فرَّ الكثير منهم لتحقيق مقاصد سامية ترتد بخيرها الوفير على الوطن، فلا نجعلهم يعيشون حال الداخل المزري في الخارج، وإن مكافحة الفساد في التعيينات بالسفارات واختيار الاكفاء بداية التصحيح، علَّ خطوات مهمة تتبعها تجعل كل يمني خارج بلده لا يتوارى أو يخجل حين إجابته عن سؤال من أين أنت؟ فيصدح رافعا رأسه بصوت ملؤه الزهو والاعتزاز: أنا يمني.