اخبار الساعة - د.طارق الحروي
- نرد على ذلك بالقول أن معالم هذا الأمر تتضح بكل مساراتها في ثنايا مضامين وأبعاد المبادرة وآليتها التنفيذية في أكثر من اتجاه، وهو الأمر الذي يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمه الرئيسة في اتجاهين أساسين، يدور الاتجاه الأول حول مسألة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي اليمنية وأمنها واستقرارها وصولا إلى إعادة فرض النظام والقانون، معززة ذلك بإلغاء قرارين دوليين بتأييد المطالب الانفصالية للقيادة الانفصالية في الخارج صادرين في العام 1994م ليس هذا فحسب، لا بل وإصدار قرار دولي رقم (2014) عام 2011م يؤكد على دعمه الكامل على ما جاء في المبادرة.
- والشاهد في هذا الأمر هو أن ذلك منبعه من حيث مدخلاته ومخرجاته يصب في اتجاه تعزيز عرى التعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة الدولية والإقليمية لضمان الانتقال الأمن لليمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة (دولة النظام والقانون المنشودة)، وتمكينها من ولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة من أوسع أبوابها، وكي يتم هذا الأمر يصبح من الواجب علي اليمن السعي وراء فرض ومن ثم إحكام سيطرتها على أرجاء البلاد وحدودها البحرية الطويلة منها- بوجه خاص- من خلال منظومة أمنية متكاملة الأبعاد تسهم فيها الدولة والشعب ضمن إطار إستراتيجية وطنية طموحة جدا أشرنا إلى بعض أهم ملامحها الرئيسة في سياق مقالاتنا المنشورة.
- ولكي تستطيع اليمن القيام بذلك بانسيابية ومرونة عاليتين يصبح من الضرورة الحتمية ان تتحول اليمن إلى دولة بحرية لها شانها، بالاستناد إلى كل المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية الحاضنة والمحفزة لهذا الأمر كخيار استراتيجي لكافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية أصبح من الصعب تجاوزه أو تجاهله بالمطلق، ومن خلالها يتم تحويل الجزء الأكبر والمهم من قواتها النظامية التقليدية الحالية والبرية منها- بوجه خاص- إلى قوات ضاربة بحرية ودفاع ساحلي.
- بصورة تجعل من بند إعادة هيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية ومهنية يصب باتجاه البحر من حيث العقيدة الجديدة للمؤسسة الدفاعية الجديدة التي تفرض عليها مهام وطنية جديدة لضمان السيطرة على أطول شريط ساحلي في المنطقة وحماية الممرات الدولية المائية- هذا من جهة- ويسهم في تمكين الدولة من مد اهتماماتها حتى يصل نفوذها إلى أبعد نقاط داخل حدودها والأجزاء الحيوية منها- بوجه خاص- بدلا من أن تضل اهتماماتها بهذه الأجزاء هامشية لا تعدو عن كونها مجرد أجزاء زائدة أصبحت مع مرور الوقت حملا ثقيلا على كاهل الدولة.
- بصورة تمهد المجال واسعا لإمكانية انتقال محوري للدولة بأجهزتها الرسمية إليها كهدف أساسي؛ من خلال إستراتيجية إسكانية وسكانية وطنية طموحة جدا، تهدف إلى إعادة توزيع الكتلة البشرية الضخمة فيها ودمج وتوحيد النسيج المجتمعي باتجاه ترسيخ وحدة وتماسك الكيان القومي كمرحلة أولى تفتح الطريق واسعا لولوج اليمن دولة وشعبا ومؤسستها الدفاعية الجديدة منها- بوجه خاص- مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة من أوسع أبوابها.
- في حين يدور الاتجاه الثاني حول وجوب أن يكون الحل الأمثل لكل مشاكل اليمن الذي سوف تتفق عليه كافة الأطراف المحلية المعنية الممثلة لأجزاء مهمة من الشعب اليمني على المدى القريب والمتوسط والبعيد، يتوقع له أن يلبي الطموحات المشروعة لليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا، سيما أن هذا الأمر دون ذلك تصعب تلبيته إلا في حدوده الدنيا بحكم طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التحديات المحيطة باليمن في شقها المادي والمعنوي.
- جراء استمرار تنامي منظومة من الصعوبات والعراقيل التي تحول دون وجود أية إمكانية لإحداث قفزة حقيقية نوعية في واقعها تتناسب مع طموحات اليمن، البعض منها لها علاقة بطبيعة ومستوى ومن ثم حجم الموارد والإمكانات المادية الحالية التي بالكاد تغطي جزء من احتياجات البلاد اليومية، وبعضا منها له علاقة بما يشوب المشهد السياسي من تعقيد وتشابك لا يدعو للاطمئنان بإمكانية قدرة الأطراف السياسية على تجاوز خلافاتها ومصالحها الخاصة المشروعة وغير المشروعة والارتقاء إلى ذلك المستوى الذي تتطلبه المصالح الوطنية العليا، وما يعنيه ذلك من بقاء الرأي منقسما ومشتتا وتائها.
- وتأسيسا على ذلك يصبح ولوج اليمن حلقة جديدة غير مطروقة في تاريخها الحديث والمعاصر نحو البحر هو المدخل والمخرج في تجسيد الحل الأمثل المنشودة في شقه المعنوي والمادي في المدى القريب والمتوسط والبعيد ضمن إطار مشروع برنامج وطني طموح جدا لبناء اليمن الجديد في الأربعين عاما القادمة من خلال برامج وآليات تنفيذية مزمنة لإرساء مداميك الدولة البحرية المدنية الحديثة المنشودة.
- والشاهد في هذا الأمر يدور حول ما لهذا الأمر من انعكاسات ومردودات ايجابية نوعية في الجانب المعنوي ثم المادي على الشعب اليمني بكل تياراته وفئاته وأطيافه، الذي يعيش أتون واحدة من أهم المراحل أهمية وتعقيد وحساسية في تاريخه المعاصر، على خلفية ما يمثله هذا الأمر من تغيير جذري في أنماط حياته وعقليته وشخصيته ومن ثم رؤاه ومواقفه، وصولا إلى طموحاته المنشودة؛ نظرا لما يتوقع أن يولده هذا الأمر من طاقات استثنائية متعاظمة ومن ثم من تحفيز واستنهاض نوعي للقدرات المعنوية والمادية المتاحة وغير المتاحة بهذا الشأن.
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.