يقول البرفسور مونتي بالمر المحاضر في جامعة فلوريدا، والمدير السابق لمركز دراسات العرب والشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية، إن المملكة العربية السعودية قررت أن تحول مصر لساحة حرب لها ضد جماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها وصنفتها كجماعة إرهابية، اخطر من تنظيم القاعدة وتنظيمات أخرى ورد اسمها في بيان الجماعات التي اعتبرتها السعودية إرهابية بداية الشهر الحالي.
ويضيف مونتي في مقال نشرته صحيفة "إشيا تايمز" أن السعودية ربما لم يكن أمامها خيار بعد اجتياح الإخوان الانتخابات فيما بعد الثورات العربية التي بدأت عام 2011. فقد خافت أن تكون السعودية هي الساحة الجديدة للثورات العربية. وعن سبب اختيار السعودية لمصر كساحة مواجهة لها مع الإخوان، يقول مونتي إنه من الصعب مناقشة هذا الاختيار؛ لأن الإخوان جماعة مصرية أنشئت في مصر، وكان مرشدوها بلا استثناء من مصر، وتظل مصر مركز عمليات الإخوان الدولية وعلاقتها مع فروعها في العالم.
الساحة في مصر
ومن هنا يقول الكاتب: "يعرف السعوديون أن أية محاولة لتدمير فروع الإخوان المسلمين في المنطقة ستكون عبثية، طالما ظلت قيادة الإخوان المسلمين تحكم من مصر، كما أن مهاجمة فروع الإخوان سيؤدي لزعزعة استقرار الأردن والكويت وغيرها من حلفاء السعودية ممن لديها حركات إخوانية متجذرة". ومن هنا "فسحق الإخوان في مصر، مقارنة مع هذا سيكون ضربة ساحقة لرأسها وروحها".
"وسترشح آثار هذه المعركة بعيدا عن دول الخليج، وتترك العائلة السعودية الحاكمة التي نصبت نفسها حامية للإسلام بدون أن تتلوث أيديها بالدم. وفي الحقيقة فيمكن للسعودية أن تتجنب القتال من خلال ترك العملية للجنرالات كي يقوموا بالمهمة".
ويضيف الكاتب أن شعبية الإخوان لم تكن كلها السبب التي أثارت قلق العائلة السعودية، ولكن السياسة التي تبنتها الجماعة في العام الذي حكمت فيه؛ فالإخوان كما ظهر للسعودية أنهم كانوا يريدون استخدام الحكومة المصرية كمنبر لنشر نموذج الإسلام التقدمي في كل أنحاء العالم العربي.
وهو ما مثل تهديدا لكل من العائلة السعودية، والرؤية الوهابية المتطرفة القائمة على البعد الطهوري التي تسند العائلة في تحقيق شرعيتها.
ويرى مونتي أن أمن العائلة الحاكمة يقوم على فكرة تسيد الفكرة الوهابية للعالم الإسلامي، وكلما تميز الإخوان بالبراغماتية والاعتدال زاد ضعف السعوديين.
السيطرة على الأزهر
ويضيف أن ما مثل خطرا على سيطرة السعوديين على العالم الإسلامي السني، هي محاولة الإخوان تحويل الأزهر -أقدم جامعة إسلامية- ودفعه لاعتناق نسخة الإخوان التقدمية والبراغماتية.
ورغم أن السعوديين يسيطرون على مكة والمدينة، اقدس الأماكن الإسلامية، إلا أن الإخوان كانوا قريبين من السيطرة على الأزهر الذي يعتبر أعلى سلطة إسلامية في العالم السني.
وفي اتجاه آخر، يقول الكاتب إن سيادة السعودية على الخليج كادت أن تنكسر من خلال قطر التي ظلت المنافس الرئيسي للسعودية، والتي بدا أنها كانت تنوي استخدام تأثيرها في الإخوان لكسر تسيد السعودية في الخليج.
ويبدو أن الجهود كانت فاعلة؛ لأن الصحافة المعارضة والمدعومة من السعودية بدأت بالصراخ بأن قطر سيطرت على الأزهر.
ويقول إن جهود قطر لتعزيز سيطرة الإخوان على الأزهر تزاوجت مع جهودها لتعزيز فروع الإخوان المسلمين في الخليج، وما تزال السعودية تلقي اللوم على قطر التي دعمت أفكار الإخوان ونشرتها في مساجد المملكة.
ولم تكن قطر وحدها في جهود تعزيز الإسلام التقدمي المعتدل، بل انضمت إليها تركيا التي أرادت التعاون في تحويل مصر لمركز السنة العرب الذي يحكمون عبر رؤية إسلامية معتدلة وبراغماتية متعايشة مع الغرب، وهو ما أصاب السعودية بالغم.
إسلام تقدمي تصالحي
ويمضي الكاتب بالقول إن تركيا وقطر رأتا في العالم الإسلامي الجديد نقطة ارتكاز لعقد مصالحة بين السنة والشيعة. ونظرة كهذه تعتبر تهديدا للسعودية التي ترى في إيران عدوا وجوديا، وبنفس المقام تهديدا للفكر الوهابي الذي يتعامل مع الشيعة ككفار.
ومن هنا أغدقت السعودية الأموال على الصحافة المعارضة للإخوان في مصر التي قادت حملة اتهمت فيها الجماعة بمحاولة تحويل المصريين للتشيع.
وعلى خلاف الفزع السعودي، مارس الإخوان في عامهم الذي حكموه وربما نتيجة للتأثير التركي استراتيجية ديمقراطية تستحق الثناء، فقد تميز الإعلام بالحرية إن لم يكن لا مسؤولا، ولم يتم وقف التظاهرات، وتم السماح للجماعات السياسية بما فيها الجهادية واليسارية بالعمل وإنشاء أحزاب.
وأسوأ من هذا، دعا الإخوان إلى الحرية والديمقراطية في كل المنطقة، وهو ما اعتبر تحديا للسعودية.
ويرى الكاتب أن الديمقراطية كما هو واضح أصبحت سلاح الإخوان لغزو العالم العربي، وهي سلاح كان السعوديون يخشونه "وانتخابات حرة واحدة لو كانت مصر وتونس دليلا لانتهت السعودية إلى هامش في التاريخ". ويضيف: "لقد التقط فرعا الإخوان في الأردن والكويت الدعوة؛ مما أدى إلى تشوش في هاتين الديمقراطيتين الكاذبتين".
البديل عن السعودية
وعلى خلاف مخاوف السعودية، تعاملت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع نسمة الحرية النادرة في مصر، وحاولت بتشجيع من تركيا دفع الإخوان المسلمين نحو اعتدال أكبر. ومهما كان الحال فقد منحت براغماتية الإخوان المسلمين الغرب بديلا عن العقيدة الوهابية التي شجبتها واشنطن؛ باعتبارها مصدرا للتطرف والإرهاب.
ويشير إلى وعي الأمريكيين والأوروبيين بأهمية الإسلام للنفسية العربية بدرجة لا تقوم فيها حكومة مستقرة في العالم العربي بدون تمثيل إسلامي "أحببت أم لم تحب، ففكر الإخوان الميال نحو الاعتدال التركي كان الخيار الأفضل لهم. فلم يعرض الإخوان شرعية العائلة السعودية للخطر، بل كانت على حافة إضعاف علاقة الولايات المتحدة مع الولايات المتحدة التي تعتبر الراعي الأكبر للسعودية.
ثورة مضادة
ومن هنا تُفهم الثورة المضادة التي دعمتها السعودية، وأطاحت بحكم الإخوان المسلمين في مصر، ولكنها لم تخفف من قلق ومخاوف العائلة المالكة، بل على العكس؛ فمقاومة الإخوان للانقلاب العسكري أظهر إيمانا بالفكرة، وقدرة تنظيمية عالية، وهو ما أدخل البلاد في حالة من الفوضى، ويضع الكثير من الشكوك حول قدرة نظام مبارك الذي أُعيد إلى الحياة من جديد لمواصلة الحكم. وهذه هي الحالة لأن الجماعات الجهادية التي تعادي الإخوان المسلمين انضمت للمعركة من خلال اغتيال الضباط، وإنشاء إمارات خلافة صغيرة في سيناء وأماكن أخرى.
ويرى الكاتب أن السعوديين لم يكونوا قادرين على النجاة في مواجهة انتفاضة موازية لو قام بها داعمو الإخوان والجهاديون الوهابيون العائدون من سوريا أو أماكن أخرى. ويزعم السعوديون أن 600 مقاتل عادوا من سوريا، فيما يقول الكويتيون إن العدد يصل إلى 20 ألفا، ومهما كان عدد الإخوان وداعموهم والجهاديون في المملكة، فتحذير الملك من الانشقاق والإرهاب أصبح أمرا عاما يتزايد مع تزايد مخاوف العائلة.
ولهذا وضع السعوديون وحلفاؤهم في الخليج أموالهم حيث يخافون، وقاموا بضخ مليارات الدولارات لمصر على أمل أن تستطيع الديكتاتورية الجديدة سحق الإخوان وقاعدتهم الشعبية في مصر، ووعدت هذه الدول بمليارات أخرى.
ويقول الكاتب إنه لو استطاع الجيش المصري سحق الإخوان المسلمين، فستكون الخطة السعودية قد نجحت؛ وعليه ستتحول مصر لمركز تحالف سعودي- إسرائيلي- مصري يهدف إلى إعادة العالم العربي لعصر الديكتاتوريين الذين حكموا قبل "الربيع العربي" وثوراته في عام 2011.
وعلى طول الطريق ستقوم السلطات المصرية بتعزيز الاستقرار من خلال قطع شريان الحياة من الإخوان لحماس، وسحق الجيوب الآمنة للإخوان والجهاديين في اليمن وليبيا ومناطق أخرى تستطيع مصر الوصول إليها. وبناء على هذا؛ ستتلاشى الطموحات الديمقراطية في المنطقة، ولن تعود مصر ملهمة، فيما سيجد الفكر الوهابي السعودي طريقه للأزهر.
عودة الديكتاتوريات
ومع خروج الإخوان المسلمين من الساحة ستعود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الدور التقليدي الذي لعبته في الماضي؛ وهو دعم الديكتاتوريين، وتكون السعودية قد نجحت بإرجاع الشرق الأوسط للقمع السلمي.
والسؤال الذي يطرحه الكاتب: هل ستتمكن الأموال السعودية من تحويل ديكتاتورية تعاني من فقر مدقع، تترنح بين الفوضى والحرب الأهلية، إلى مركز لحربها ضد الإخوان المسلمين؟ وإذا كان هذا صحيحا فسيكون بإمكان السعودية وحلفائها من دول الخليج شراء كل المنطقة.
وحتى هذا الوقت، فكل ما قامت العائلة السعودية بشرائه هو الحرب الأهلية والفوضى في العراق، سوريا، لبنان، اليمن والباكستان ومصر تسير على نفس الخطوات، فحتى المشير السيسي الفرعون المصري الجديد الذي لم يتوج بعد، يحذر من أن الأمور ستكون سيئة قبل أن تتحسن.
ويختم بالقول إن "المتفائل الوحيد يمكن العثور عليه هو رئيس الوزراء المصري الذي اختاره السيسي، الصديق المقرب لحسني مبارك الذي تَرْشح منه الثقة، ويعتقد أن المصريين سيضعون أنفسهم تحت العجلات ويضحون من أجل البلاد. وأشك أن العائلة السعودية قد تغتر بهذا، لكن السعوديين قد يفضلون في النهاية الفوضى والحرب الأهلية على مصر يحكمها الإخوان".