للأسف فإن براعم الديمقراطية التي أطلت على الدنيا في «ربيع العرب» تموت الآن على أيدي الأنظمة الحديدية التي تجتثها في صيف طويل ساخن.
ففي سوريا تواصل قوات الرئيس بشار الأسد حصد المتظاهرين بالنار في دمشق والمدن والبلدات الأخرى. ومصر تظل، رغم رحيل الرئيس حسني مبارك، قابعة تحت سيطرة العسكر المحكمة. وفي اليمن، يهدد الغليان السياسي باندلاع الحرب الأهلية مثلما هو الحال في ليبيا.
صيف بعد الربيع
تنقل «واشنطن تايمز» عن جيمس فيليب، خبير شؤون الشرق الأوسط في «هيريتيج فاونديشن»، قوله: «لا شك في أن ربيع العرب تحول الى صيف ساخن بسبب نكسات هائلة أصابت التيارات المطالبة بالديمقراطية في سوريا والبحرين وشبح الحرب الأهلية في اليمن كما هي الحال في ليبيا، وعدم الاستقرار المتعاظم في مصر». لكنه يضيف أن الجانب المضيء يتمثل في تونس، التي بدأت تدوير عجلة الربيع العربي، وصارت الدولة «ذات الآفاق الإيجابية الأعرض بفضل تمتعها بطبقة وسطى كبيرة متعلمة وتقاليد علمانية راسخة».
على غرار شرق أوروبا
من جهته يقول بي كراولي، كبير المتحدثين سابقا باسم وزارة الخارجية الأميركية إن المنطقة العربية «قد تؤول الى مصير دول شرق أوروبا الاشتراكية نفسه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فبعضها، مثل بولندا وجمهورية التشيك، صار ديمقراطيا، بينما تمسك البعض الآخر، مثل روسيا البيضاء (بيلاروس)، بأساليبه القمعية القديمة».
من يأتي بعد رحيل صالح؟ |
والواقع أن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط تظهر ما يلي:
- في سوريا والبحرين وإيران انقضت الحكومات على المطالبين بالتغيير من دون أي تدخل من الغرب.
- لا تظهر الأسر الحاكمة في منطقة الخليج عموما أي توجهات نحو الإصلاح الديمقراطي.
- يقف اليمن، حيث تتمتع «القاعدة» بذراع قاتلة، على حافة الفوضى الشاملة التي ستتيح للأصوليين الحصول على رقاع جديدة لا تخضع لسيطرة الدولة. بل ان القاعدة تزعم الآن أنها هي الجهة المسيطرة على البلاد. ويقول روبرت سبرينغبيرغ، البروفيسير في كليّة الدراسات البحرية العليا في مونتري، كاليفورنيا، إن من أكثر المظاهر المثيرة للقلق في ربيع العرب تعزيزه الهائل لساعد «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
وكتبت البروفيسرة كاثرين زيمرمان على صفحات «ويكلي ستاندارد» الأسبوع الماضي أن غياب الاستقرار أتاح للقاعدة في شبه الجزيرة العربية حرية الانتشار في مختلف بقاع اليمن بحريّة غير مسبوقة. وأضافت أن العنف المتصاعد هنا مع اقتصاد يمكن ان ينهار بالكامل في أي لحظة وشبح الحرب الأهلية وتقسيم البلاد، كلها تشكل كابوسا هائلا بالنسبة للبيت الأبيض يتمثل في ولادة دولة تصبح ملاذا للإرهاب المنطلق الى الأراضي الأميركية نفسها.
الأسد والحوار الوطني
في ما يتعلق بسوريا فإن المراقبين يقدرون عدد من قتلتهم قوات الأسد بأكثر من 15 ألف شخص. وبعد انقضاضها على حمص الأسبوع الماضي، أظهرت شرائط فيديو الهواة مدينة مهجورة بسبب الإضراب الشعبي وهروب قسم من السكان واحتماء آخرين بمنازلهم.
بنغازي ترفع علم ليبيا القديم -الجديد |
وتقول سارة لي ويتسون مديرة المنظمة لشؤون الشرق الأوسط: «الرئيس الأسد يتحدث عن الإصلاح من جهة ويقمع شعبه قتلاً واعتقالاً على نطاق واسع من الجهة الأخرى. من سيدخل معه في ذلك الحوار الوطني إذا كانت قواته تنكّل بالطرف المفترض له أن يجلس في الجهة المقابلة من طاولة الحوار»؟
مجلس الشعب يحيي الأسد |
مع ذلك فإن سبرينغبيرغ يجادل بالقول: «أن يكون للعرب ربيعهم أفضل كثيرا من ألا يكون لديهم ربيع على الإطلاق. فقد أظهر للطغيان أنه لا يستطيع التحكم بمصائر الشعوب على النحو الذي يريد، وقدّم تحذيرا صارما ليس الى الأنظمة العربية وحدها، وإنما لسائر أنظمة القمع في العالم، من أن لكل ظالم عقابه».
ويمضي قائلا: «المنطقة العربية ظلت تغوص في نوع من استمرار الحرب الباردة على مدى أكثر من نصف القرن، ولهذا كان لا بد من عمل شيء ما.. وهذا الشيء ما كان له ان يحدث لولا أن الناس خرجوا الى الشوارع ليطالبوا بحريتهم المشروعة».