بدد التجدد المتصاعد لدوي الانفجارات مجهولة المصدر في أنحاء متفرقة من العاصمة صنعاء، مساحة التفاؤل التى راودت الكثيرين من سكانها في إمكانية انحسار مظاهر التصعيد المسلح للأوضاع الأمنية مع حلول أول أيام شهر رمضان المبارك .
تعاقب أصوات دوي الانفجارات في سماء العاصمة صنعاء مع حلول الأيام الأولى من الشهر الكريم، دفع إلى الواجهة بحالة من اللبس العام حيال تحديد طبيعة مصادر النيران المتعددة، وتضارب لافت في التأويلات الشعبية المقابلة التي عادة ما تتوافق في معظمها على التقليل من خطورة ما يعتمل على واجهة المشهد الأمني في العاصمة، كنوع من التداول العام المجرد للتطمينات وعدم الإمعان في استدعاء المخاوف الكامنة .
واعتبر الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع الدكتور عبدالرحمن أحمد المقرمي في تصريح ل”الخليج” أن تصاعد التوجسات الشعبية في أوساط سكان العاصمة صنعاء من تزايد احتمالات اندلاع حرب واسعة ومتعددة الأطراف، والترسبات التي لاتزال ماثلة إزاء تداعيات ومخلفات الحرب الأخيرة التي شهدها العديد من أحياء وشوارع العاصمة بين أتباع الأحمر والقوات الحكومية الموالية للنظام، دفعت الكثيرين ممن لا يملكون خيارات النزوح القسري والمكلف عن منازلهم إلى التعامل مع الأجواء الأمنية السائدة في العاصمة والتوجسات المقابلة بحالة من التعايش الاضطراري، ومحاولة التكيف عبر التقليل من خطورة الوضع الأمني، والتعاطي مع مظاهره كالانفجارات المجهولة والمتعاقبة والمتعددة وإطلاق الرصاص الحي، باعتبارها مجرد أعراض فرضتها أجواء أمنية غير مستقرة لن تصل إلى سقف الحرب” .
اتجاه المزاج الشعبي العام في أوساط العديد من سكان العاصمة أو من تبقى منهم ولم يبادر إلى النزوح عقب تصاعد إرهاصات حرب وشيكة صوب التعايش مع مظاهر الانفلات الأمني غير المسبوق، عبر مواجهة المخاوف الكامنة من الانفجار الوشيك لبالونة الاحتراب الأهلي، بتأويلات مواكبة ومتضاربة تتسم في معظمها بكونها انطباعية وذات طابع عفوي في تحديد طبيعة مصادر النيران وظروف إطلاقها .
وعبر عبدالسلام حامد العبسي، الموظف في إحدى المصالح الحكومية ويقطن منزلاً بالإيجار مع أسرته المكونة من ستة أفراد بحي “مازدا”، الكائن بمديرية الحصبة بشمال العاصمة عن نمط تعاطيه الشخصي والعديد من سكان الحي مع مظاهر التصاعد المضطرد لمظاهر الانفلات الأمني، بالقول: “بمجرد أن أسمع دوي إطلاق الرصاص أو الانفجارات أسارع إلى إطفاء أنوار المنزل وبث تطمينات لعائلتي وأولادي الذين يتكومون بجانبي في أن أصوات الرصاص ليست سوى مظاهر فرائحية صادرة عن أحد الأعراس المقامة في حي مجاور، وذات الرواية أواجه بها مخاوف أولادي وزوجتي في حال سماعنا لدوي انفجارات، والمفارقة أنني أحياناً أصدق ما أختلقه من تأويل لأسباب إطلاق الرصاص أو الانفجارات ربما للرغبة في أن أخفف من قلقي كي أستطيع أن أنام” .
التعايش مع الخوف ووطأة الإحساس بالافتقاد إلى الأمان عبر التقليل المفتعل من خطورة معطيات التصعيد الأمني القائمة على الأرض مثل لدى البعض الخيار المتاح والأقل كلفة من الإسراف في التشاؤم والنزوح القسري عن العاصمة الذي يتطلب تأمين نفقات إضافية لمواجهة استحقاقات عائلية طارئة .
ويشير ناصر محمد علي مياس (50 عاماً)، الذي يعول أسرة تتألف من عشرة أفراد إلى جزء من معاناته التي يتقاسمها معه العديد من سكان الأحياء المجاورة لقصر الشيخ الأحمر بحي الحصبة، والذين حالت ظروفهم المعيشية الصعبة دون القدرة على مغادرة مساكنهم المتاخمة لمحيط خطر: “لا أستطيع ترك منزلي والسفر بأسرتي إلى أي منطقة خارج العاصمة، فحتى النزوح يحتاج إلى نفقات ومصاريف ليست متوفرة لدي” .
وأضاف قائلاً: “كل ما أملكه في ظل كل ما يحيط بمنزلنا من مخاطر نتيجة قربنا من منزل الشيخ الأحمر أن أساير الخوف والقلق حتى ولو بالكذب على النفس والتقليل من خطورة ما يحدث حولنا، بالنسبة لي أقنعت نفسي مضطراً بأن أتمثل بالحديث الشريف القائل “تفاءلوا بالخير تجدوه” .