من نافلة القول أن مصير أية ظاهرة سياسية لها شأنها على المدى المتوسط أو البعيد، إن كان يبقى رهن مجموعة من العوامل والدوافع الرئيسة، لها علاقة وثيقة الصلة بطبيعة بيئتين مختلفتين ومتداخلتين- على أقل تقدير- هما البيئة الذاتية للظاهرة نفسها والبيئة الموضوعية المحيطة بها، في ضوء ما أصبحت تمتلكه من قدرات ذاتية، تمكنت من خلالها من إعادة صياغة وبلورة أولوياتها الرئيسة ومن ثم تكييف نفسها مع شتى ما يحيط بها تحديات داخلية وخارجية- وفقا- للمعطيات الظرفية في كل مرحلة على حده، فإن مسألة بقاء هذه الظاهرة وزوالها- أيضا- يظل رهن بعاملي الوقت والمدى الذي وصلت إليه في تحقيق غاياتها المنشودة سواء في اتجاه فشلها أو نجاحها النسبي في تحقيق أهدافها الرئيسة، نظرا لما سيترتب على ذلك من بدأ انحدار شبه حاد في منحنى تماسك وحداتها الداخلية الهشة القائمة على الحد الأدنى من التوافق، جراء حدوث تحول جذري نسبي في أولوياتها الرئيسة ودخول عوامل خارجية جديدة فرضتها معطيات المرحلة.
ومن هنا تكمن أهمية تناول هذا الموضوع انطلاقا من هذا المدخل تحديدا، باعتبار أن نشؤ حزب التجمع اليمني للإصلاح عام 1990م، يعد- برأينا- واحدا من أهم الظواهر السياسية الاستثنائية التي شابت الساحة اليمنية منذ ما يقرب الـ20 عاما، وإن أوان زوالها بتفككها وتشرذمها ومن ثم إعادة الظهور بحلل جديدة قد بدء بالفعل، جراء استمرار تنامي المحددات الرئيسة الحاكمة ليس لإمكانية استمراريتها فحسب، بل- أيضا- بقائها من الأساس، فهي إن كانت قد استطاعت البقاء والاستمرارية لعقدين من الزمن؛ جراء محددات خارجية وداخلية متعددة كان لها الدور المحوري في ذلك، بحيث مهدت الطريق واسعا أمام إمكانية بروز واستمرار عرى التحالف المرحلي ذي الطابع التكتيكي بين أفراد وجماعات وتيارات وقوى متباينة في الرؤى والتوجهات والمواقف والأهمية لحد التناقض الحاد؛ جراء طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الاختلافات السائدة في الأيدلوجيات والأهداف والمصالح القائمة بينها...الخ، فإنها في نفس الوقت حملت في أحشائها بذور فنائها وزوالها في ضوء بروز واضح للعديد من التوقعات التي تؤشر وجود احتمالية تُؤكد أن مصير حزب التجمع اليمني للإصلاح يسير في اتجاه سيناريو التفكك والتشرذم، على خلفية حالة التغير الحاصلة في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المصالح والأدوار الداخلية والخارجية.
وهو الأمر الذي أفصح عنه بشكل واضح خط سير الأحداث الرئيسة للمشهد السياسي- الأمني اليمني في الفترة الواقعة بين عامي (2009-2011م) - استنادا- لظهور جملة من التغييرات الحاصلة في البيئتين الداخلية والخارجية، يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمها الرئيسة في اتجاهين رئيسين الأول له علاقة وثيقة الصلة بطبيعة التغيرات الحاصلة في بعض القواعد والمعايير السعودية الخاصة بإدارة الملف اليمني، في ضوء استمرار تنامي حالات التقارب اليمني- السعودي ضمن إطار إستراتيجية المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه، التي أصبحت أهم مصالحها الحيوية ودواعي أمنها القومي تسير بشكل متواز مع أهمية توفر عاملي الاستقرار والأمن النسبي لليمن ووحدة أراضيه على المدى المتوسط- على أكثر تقدير- سيما في ضوء ما أصبح عليه مفهوم الأمن القومي بمعناه الشامل من دلالات ومضامين لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، وصولا إلى ما أفرزته التحديات الرئيسة المحيطة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي أثبتت بمرور الوقت أن التقارب الخليجي- اليمني لم يكن سوى امتداد طبيعي لتلبية كافة متطلبات ودواعي تحقيق الأمن القومي لدوله كافه بدون استثناء، وليس مجرد ورقة ضغط مرحلية فحسب، ابتداء من بروز أعمال الجريمة غير المنظمة وصولا إلى أعمال القرصنة البحرية وتأثيرها المباشر على خطوط الملاحة الدولية التي تسلكها السفن العابرة لها المحملة بالنفط واحتياجاتها الاستهلاكية ومرورا باندلاع إرهاصات التمرد المسلح على الحدود السعودية- اليمنية، ومحاولة حركة التمرد الحوثية نقله إلى داخل الحدود السعودية في اتجاه خلق قاعدة شعبية مؤيدة لها في ضوء ما توفره البيئة الداخلية على المستوى السعودي الرسمي والشعبي من معطيات ظرفية استثنائية، وما يعنيه هذا الأمر من تداعيات سلبية خطيرة جدا على استقرار الكيان القومي السعودي، فضلا عن ما يمثله نجاح تنظيم القاعدة بعد إعلانه رسميا عن توحيد فرعيه تحت مسمى " تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" من استخدام اليمن كقاعدة لوجستية رئيسة لإدارة مجمل عملياته المرتقبة ضد المصالح الأمريكية- الغربية من تحول نوعي لطبيعة وحجم عملياته في السعودية، وانتهاء باستمرار تنامي أعمال العنف الحادة المسماة بـ(الفوضى الخلاقة) التي وطئت بأقدامها شبه الجزيرة العربية منذ أول شرارة لها استهدفت الأراضي اليمنية، والتي تكمن خطورتها بصورة استثنائية بالمقارنة بدول المنطقة كافة في استشراء وجود العمالة الوافدة التي تربو أعدادها عن الـ20 مليون نسمة، سيما في ضوء استمرار حالات عدم الرضا والكبت؛ جراء معاناتها من شتى أشكال الاستغلال واللا إنسانية، مضافا إليها حالات التذمر والغليان الشعبية التي بلغت حد الذروة في البحرين على سبيل المثال، والانقسامات الحادة التي طالت الأسر الحاكمة فيها وتهدد بانهيار مدوي في حال فشلت في رأب الصدع الذي أصابها التي بلغت حد الذروة في السعودية على سبيل المثال لا الحصر.
وخاصة أن هذا الأمر يؤكد على المستويين النظري والعملي وجود أهمية قصوى وضرورة ملحة أن يرقي مستوى إدراك النخب الحاكمة السعودية إلى مستوى ومتطلبات المرحلة الحالية والقادمة متجاوزا دفعة واحدة ذلك النوع التقليدي من المقولات التي تربط بين بقاء ملك أل سعود وأمن الدولة وبين ضرورة تفكيك اليمن وإبقائه ضعيفا ومهمشا، التي تجاوزها الزمن ولم يعد لها مكان سوى في أذهان البعض من الساسة من هنا وهناك، بحيث ترقى مكانة اليمن وشعبه في السياسية السعودية إلى المستوى الذي يجب أن يكون عليه وأصبحت تحتله- وفقا- لما تمتلكه من مقومات فريدة، لأن ضمان وتحقيق مطلبي الأمن والاستقرار كمدخل أساسي لضمان وتحقيق المصالح الحيوية وصولا إلى التنمية الشاملة والمستدامة، قد أصبح هدفا ووسيلة مشتركة ومصلحة متبادلة إلى حد كبير؛ يقوم على مبادئ الشراكة والتعاون والتنسيق والاحترام المتبادل...الخ، وهو الأمر الذي يتطلب تغير جذري في طبيعة الأهداف والمصالح والأساليب والآليات المتبعة.
والاتجاه الثاني له علاقة وثيقة الصلة بطبيعة التغييرات الجذرية المتوقعة والمحتملة للبيئة الداخلية اليمنية، ومدى تأثيرها على بقاء واستمرارية حزب التجمع اليمني للإصلاح ككيان سياسي يحوي ثلاث تيارات رئيسة متباينة ومتناقضة الأهداف والمصالح والآليات في ضوء التغييرات الحاصلة في اهتماماتها وأولوياتها الرئيسة، وهو ما يمكن إعادة صياغتها ومن ثم بلورتها في خمسة محاور رئيسة الأول على المستوى الرسمي سواء أكان ذلك في اتجاه إقامة الدولة الحديثة واستحقاقاتها والقائمة على ثلاثة أركان أساسية؛ هي (النظام السياسي، منظمات المجتمع المدني، القطاع الخاص)، أو كان ذلك في إطار النظام السياسي نفسه، ضمن منظومة واسعة من الإصلاحات التي سيتم الاتفاق عليها والسير على هداها ونخص بالذكر هنا الحياة الحزبية بأكملها في اتجاه إعادة تأهيلها على المستوى النظري والعملي لمواكبة متطلبات المرحلة القادمة واستيعاب كافة المتغيرات الرئيسة في هذا الشأن، التي أثبتت الأحداث الرئيسة الأخيرة عجزها عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات المرحلة، بصورة يتوقع لها أن تنعكس مباشرة- في نهاية المطاف- على تحول جذري في الحياة السياسية كي تصبح بذلك المكون الحزبي أحد فواعل النظام السياسي وليس الوحيد مثلما كان سائدا في العقدين الماضيين، والثاني على المستوى الشعبي في إطار طبيعة ودرجة انكشاف دورها السلبي المحوري في سيناريو تدمير البلاد وتمزيق أواصر وحدته الوطنية، وما سيترتب عليه من نفور شعبي عنها وصولا إلى انفضاض جزء مهم من أنصارها عنها وفقدانها للنفوذ، مع توقعات بالمطالبة بمقاضاة قياداته، في حين يتركز المحور الثالث على مستوى تكتل المعارضة السياسية، الذي تأسس لغاية واحدة هي تحقيق أهداف مرحلية محددة، تتمحور حول استنزاف قدرات النظام وإضعافه، تمهيدا لإسقاط التيار الوحدوي فكرة ومشروعا ورموزا، إلا أن استمرار حالات فشلها الذريعة ليس في الوصول إليها على الرغم من طول الفترة فحسب، بل-أيضا- انتفاء إمكانية الاستمرارية في فعالياتها الرئيسة بنفس الحيوية والفاعلية، جراء ما يتوقع لها من ازدياد طبيعة ومستوى ومن ثم الخلافات فيما بينها حول الكثير من القضايا الخلافية العالقة أو بسبب تقلص نوعية ومساحة الفرص المتاحة أمام قوي المعارضة في الفترة المقبلة إلى حد كبير، يتوقع له أن ينعكس مباشرة بالسلب على التجمع اليمني للإصلاح، بصورة تفضي- في نهاية المطاف- إلى تفككه وتشرذمه، في محاولة منها إعادة التكيف مع المعطيات الظرفية الجديدة، بحكم طبيعة تكوينه الهش والمرحلي، أما المحور الرابع فيتمحور حول حزب التجمع اليمني للإصلاح نفسه، في اتجاه إحداث تغيرات نسبية تنال الشكل أكثر منه المضمون، تتوج بظهوره في حلل سياسية جديدة تتواءم مع متطلبات المرحلة القادمة ومعطياتها الظرفية، في محاولة منها تجاوز إرهاصات المرحلة الحالية التي كشفت عمليا عن عوراتها كاملة، في ضوء انكشاف أهدافها الرئيسة المتعارضة مع المصالح العليا للأمة، وكذا انسياقا مع طبيعة التطورات الرئيسة التي تعيشها تيارات الأخوان المسلمين في مصر وفروعها الرئيسة في المنطقة، في ضوء استمرار تنامي الدور السلبي الذي قامت بتأديته على رقعة واسعة من المنطقة العربية لصالح أجندة خارجية أو إنها تصب في مصلحة دول المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه على أقل تقدير، سيما أن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الدور الذي لعبه التيارين الديني والقبلي في المشهد اليمني الحالي؛ ينبئ عن بروز حالة من الانقسام الحادة سواء في إطار التيار الديني نفسه سواء بين التيارات المعتدلة والمتطرفة أو بين الإصلاحيين والمحافظين، سيما في ضوء حالة العزلة شبه التامة التي أصبحت تعيشه معظم قياداته بعيدة عن عامة الشعب وجمعية علماء المسلمين...الخ، ستظهر أهم معالمه الرئيسة واضحة بعد انتهاء إرهاصات الأزمة الحالية بزمن قصير، أو فيما بين التيار الديني والقبلي الذي فقد الكثير جدا من امتيازاته بعد موت زعيمه الشيخ عبدالله بن حسين، جراء انفراط عقد التحالف القبلي وتغير صيغ التحالفات القبلية خارج نطاق بيت الأحمر، في ضوء انتفاء وجود قيادة كاريزمية فيها، فضلا عن طبيعة الدور المحوري السلبي الذي لعبه أولاد الأحمر في إرهاصات الأزمة السياسية- الأمنية الحالية، بصورة يتوقع لها أن تفضي إلى تغيير في طبيعة الأهداف والمصالح ومن ثم الآليات بين القيادات الدينية والقبلية، ستنعكس مباشرة في صورة انشقاقات (جزئية/كلية) تطال الكيان السياسي الذي يجمعها، في محاولة منها لإعادة التكيف مع محيطها الداخلي والخارجي- وفقا- للمعطيات الظرفية، وصولا إلى المحور الخامس ذي العلاقة الوثيقة بحيثيات الملف الأمني الأكثر أهمية وحساسية للمحور الأمريكي- الغربي وحلفائه؛ في اتجاه إعداد المسرح ألعملياتي المقبل لحرب ضروس فاصلة مع أخطر خلايا وعناصر التنظيم العالمي للقاعدة التي تتخذ لها من الأراضي اليمنية نقطه تمركز أساسية، والذي أثبتت الدلائل التاريخية وجود علاقة عضوية وثيقة الصلة بينها وبين حزب التجمع اليمني للإصلاح وتيار الأخوان المسلمين منه- بوجه خاص- باعتباره الوعاء الحاضن والموجه الرئيس لها، في ضوء انكشاف فاضح لمعظم الحقائق عنها دفعة واحدة، واضطرار النظام اليمني إلى التخلي عنها ورفع الغطاء كاملا عنها والخروج عن صمته الطويل، والانخراط بالتعاون والتنسيق مع دول المحور الأمريكي- الغربي في مواجهات عسكرية وأمنية شرسة ونوعية معها للوفاء بالتزاماته الدولية بهذا الشأن، والتي يتوقع أن تبلغ حد الذروة في حال تطلب الأمر توجه مكونات التيار الانفصالي وحزب التجمع اليمني للإصلاح منها- بوجه خاص- إلى الرمي بكل ثقلها وأوراقها الرئيسة في خضم المعركة الدائرة رحاها بين وحدات الجيش اليمني وتنظيمات القاعدة؛ من خلال دخولها المباشر وبشكل علني فيها إلى جانب تنظيمات القاعدة في معركة شبه فاصلة بأبعادها المختلفة مع مكونات التيار الوحدوي، وهو ما ستنبئ به الأيام القادمة من خلال تتبع خط سير الأحداث الرئيسة.
والله من وراء القصد
باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية
كاتب ومحلل سياسي.
d.tat2010@gmail.com