أخبار الساعة » فنون وثقافة » ابداعات ادبية

قتلوك يا رحيم الغالبي ..!

رحيم الغالبي
- شاكر فريد حسن اغبارية

                       قتلوك يا رحيم الغالبي ..!

                       شاكر فريد حسن

بالأمس القريب فقد الأدب العراقي والثقافة الانسانية التقدمية الشاعر والمبدع العراقي المعطاء رحيم الغالبي ، اثر حريق شب في منزله. ورحيم ليس أول وآخر عاشق تقتله أعين أرضه النجلاء  ـ على حد تعبير الشاعر الفلسطيني احمد حسين ،الذي قال عندما مات شقيقه الشاعر الفلسطيني راشد حسين احتراقاً في غرفته بمنفاه القسري في نيويورك سنة 1977: " نم في ثراك فلست أول عاشق / قتلته أعين أرضه النجلاء".

ومأساة رحيم الغالبي تختصر مأساة كل المثقفين الأنقياء وأصحاب الأقلام الشريفة والنظيفة الملتزمة ، الذين يتضورون جوعاً ويعيشون حياتهم فقراء بالمال ،لكن أغنياء بالفكر والنفس والروح المتوقدة . فلم  يجد المؤسسة الثقافية والجهة المسؤولة لتحتضنه وترعاه وتقدم له المساعدة والمعونة المالية والوقوف الى جانبه خلال مصابه ومحنته، ولم تتجاوب مع نبضات قلبه ونداء الاستغاثة الاخير وهو على فراش الموت يحتضر في أيامه الاخيرة.

رحيم الغالبي مناضل ومكافح ويساري عراقي ، عانى الفقر والاستلاب والتهميش ، لم يرضخ ولم يساوم ، ولم يبع قلمه وفكره وضميره الانساني وموقفه السياسي في سوق النخاسة وبالمزاد العلني  مقابل حفنة من أموال النفط و"البترودولار" أو مقابل منصب اداري كما فعل ويفعل العديد من أدعياء الثقافة ومرتزقة الفكر المزيفين والمأجورين داخل العراق وخارجه وعلى طول وعرض الوطن العربي الكبير.

لم أعرف رحيم الغالبي شخصياً ولم احتس القهوة معه ، فهو من العراق وأنا من فلسطين ، لكنني عرفته جيداً من خلال متابعتي وقراءتي لنصوصه وكتاباته الشعرية الشفافة كقلبه ، الرقيقة الواضحة كروحه ، التي يظهر من خلالها انساناً أصيلاً صاحب قيم ومبادئ ، في زمن اختلت فيه القيم واندثرت ، وشاعراً شعبياً حداثوياً معاصراً من طراز فريد ،مرتبطاً وملتصقاً بالجرح العراقي النازف وبهموم وقضايا الفقراء والمسحوقين الباحثين عن مملكة العدل والحرية والفرح ، ويحمل فكرهم اليساري الطبقي الثوري ومسلحاً به.

ومن خلال قراءتي لكتاباته وأشعاره لمست فيها روحاً قلقة ومعذبة وروحاً انسانية تفيض رقة ورهافة وملأى بالعاطفة الجياشة والحس الوطني والطبقي الشعبي ، ووجدت فيها قصائد مكثفة وتعابير جميلة وعفوية وصافية كالماء ، واوصاف دقيقة ، وصور مبتكرة تغني الخيال .

رحيم الغالبي هو شاعر الغضب والثورة الطبقية ، ورجل المواقف ، لم تغره المناصب والألقاب ، ولم يعترف بالتقسيمات والتجزئات الاقليمية والطائفية المصطنعة والولاءات الممزقة والشعارات المتلونة .وقف ضد الزعامات والملوك والسلاطين والحكام الطغاة ، وضد القهر والظلم والبطش والاستبداد والاستغلال ، ومع الشعب والناس والكادحين البسطاء ، وكان في متراس ومعسكر القوى الثورية والطبقية اليسارية المدافعة والمقاتلة عن حرية الشعوب المضطهدة والمناضلة من أجل تحررها وانعتاقها من ربقة الاحتلال والاستعمار والظلم والكبت والفقر والجوع والاضطهاد القومي والطبقي. وظل طوال حياته عراقي الروح ، عربي الانتماء والقلب واللسان ، كبير بغربته واغترابه وفقره وكدحه وكده ، شامخاً بقوميته وطبقيته وفكره والتزامه العقائدي ومذهبه الفكري ، عزيزاً في ذاته ، رائداً وثابتاً أمام الرياح العاتية ورنين الأصفر الرنان .

ولسوف يخلدك التاريخ يا رحيم الغالبي في أروع وأجمل ما سطرت من حروف وكلمات ومواقف مضيئة ، يا أنضر عشب في أنضر تراب ببلاد الرافدين ، لأنضر مستقبل لجميع المظلومين والمقهورين والمهمشين .

Total time: 0.047