إنتهت المؤامرة القرنية, بزوال حلف وارسو وتفكيك الإتحاد السوفييتي , أول الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني. وبالتالي سقوط القناع عن عرب هنا وهناك أسموا مجموعاتهم على أنها حركات تحرر وطني, وما كانت في حقيقتها إلا مشروعا آخرا للإستعمار والإستبداد, فسقطت حججهم الواهية الزائفة, وغادر قسم منهم ليلتحق بركب المنظمات الأمريكية المشبوهة. وبتقهقر حلف الناتو وتململ في الولايات المتحدة بالتزامن مع الإقرار بانهيار النظام الرأسمالي الفاسد, وما نشهده من سنوات العصف المالي التي تنذر بحرب كونية قادمة.
وإذن, فالمؤامرة القرنية, شاركت في صياغتها ما كانت تسمى بحركات التحرر الفاسدة, جنبا إلى جنب, مع أنظمة سايكس بيكو المنصبة على أقطار عربية مختلقة إستعماريا. وقد كشفت الوثائق الشارونية وكتابات نتنياهو عمق ذلك , عندما وصفت الحاكم العربي بغض النظر عن لقبه وطبيعة صفة حكمه بالحقير , كونه من سقطة العرب وسفهائهم وسفلتهم رغم ما منح من ألقاب لذاته, تجاوزت عظماء تاريخ الفتح الإسلامي لشتى أصقاع المعمورة.
ورغم نجاح القوى الكبرى في التقاط وانتقاء سفلة العرب , ونجاحها في تنصيبهم حكاما هنا وهناك, إلا أنهم وطيلة عهودهم لم يتمكنوا من شطب الدين الإسلامي من نفوس العرب, وهي المهمة الرئيسية التي من أجلها, تم تنصيبهم باستقلالات شكلية أو إنقلابات صورية. فهؤلاء وحسب الوثائق الغربية يكرهون الإسلام ويحقدون على المسلمين أكثر من المستعمر نفسه وأعظم من شارون ونتنياهو ووثائقهم التي كشفت دوائر الحاكم العربي برهنت على ذلك.
إستهدفت المؤامرة القرنية, التيار الديني, الذي تعرض لأبشع ظروف الخناق والتضييق والإضطهاد والتعذيب, والنفي والإعدام, وما من إنتخابات تمت إلا وحجب عنه فوزه بالتزوير الممنهج تبعا لأوامر المستعمر , فأضحى الحاكم العربي وكيلا في تنفيذ المخطط الإستعماري.
ألإنقلاب العسكري, الذي قاده جنرالات الجيش الجزائري التابع الفاسد على نتيجة الإنتخابات التي أفرزت إجماع الشعب الجزائري المجاهد على جبهة الإنقاذ الإسلامية شكل يقظة أولية في نفوس الأمة للتحرك ضد وكلاء الإستعمار الفاسدين مثله. فقد تبع الإنقلاب قتل مئة ألف طفل وامرأة وشيخ كعقوبة لشعب عبر عن رغبة مخالفة للعسكر في صناديق الإقتراع. تلاه إنقلاب مماثل قامت به سلطة كازينو أريحا على رغبة الشعب العربي الفلسطيني في انتخابه لحركة المقاومة الإسلامية حماس, التي شكل انطلاقها في الإنتفاضة الفلسطينية الأولى ذعرا للثورة الفلسطينية المعاصرة التي نشأت علمانية لتنفيذ منع التيار الديني من تسلم القيادة , وعملت على تصفية المجاهدين أمثال الشهيد الدكتور عبدالله عزام الذي قاد كتائب الشيوخ في صفوفها.
ألربيع العربي المبارك, أتى عقب قرن كامل من الجهاد ضد المستعمر ووكلائه, ظل في حالة مد وجزر, طيلة العقود الماضية, حتى انكشفت كل خيوط المؤامرة , وما عاد لأسرى النص الإخباري من ماسونيين وعلمانيين وليبراليين وماركسيين وغير ذلك من تسميات العملاء الفاسدين المغروسين في صفوف هذه الأمة. وتم في ظل قلب موازين القوى العالمية بفعل الجهاد المتواصل لا بفعل المناداة بالتوازن الإستراتيجي التي لا يزال النظام السوري الطائفي يطلقها منذ أربعة عقود , وهو يلعب بأوراق فصائل ضلت طريقها فاستلقت في حضنه السيء ,فاستوت بذلك مع فساد هذا النظام الذي جهر بوقاحة الكفر والعهر لم يجرؤ عليها أبو لهب.
من صنع ظرفا دوليا حقق نجاحات هذا الربيع هو الأحق بقيادة المرحلة, وهو بلا شك, ألتيار الديني , الذي عطل بذلك آلة التزوير الحكومية واكتسح إنتخابات ما كان لغيره لولا سلب إرادة الشعوب فرصة الحصول على مقعد واحد في أي منها. وقد حدث ذلك بالفعل وسط ظهور لأجهزة إستخبارية سرية للتيار القائد كشفت عملاء كثيرين كنا نجهلهم أو تنقصنا أدلة على عمالتهم وقذارتهم أو نخشى أحيانا مواجهتهم.
وإذا كانت السلطة الفلسطينية هي آخر سلاح بيد العدو الصهيوني لاستخدامه في وجه مشروع المقاومة , واستنفذته حتى اللحظة دون أن تتمكن من خلاله من إجهاض للتيار الديني ومقاومته التي لا تلين فلن يكون مصيرها أفضل من مصير الولايات المتحدة التي غادرت العراق وهي تتحدث عن عدو مجهول كان بانتظارها فيه معترفة بفشلها الإستخباراتي.
إن الربيع العربي الذي كنس عددا من أنظمة الفساد ووكلاء الإستعمار , جعل الشعوب العربية تنتظر لحظة إعدام المخلوع حسني ومعاونيه بفارغ الصبر , لأن عمالته وتبعيته أوردت مصر والعالم العربي موارد الهلاك , وحققت للمستعمر ما كان عاجزا عن تحقيقه بكل طاقاته , وهو أي الإعدام حال تنفيذه , فإنه سيكون لحظة انطلاقة الأمة من جديد.