أطفال اليمن.. "خلي السلاح صاحي"
لا يخلو شارع من شوارع العاصمة اليمنية صنعاء من أطفالٍ، تتراوح أعمارهم بين 14 و 18 عاماً، يحملون السلاح عند نقاط التفتيش. أو يعملون حراساً لمؤسسات حكومية، أو شركات وجامعات، وحتى ملاعب رياضية.
هذا هو حال آلاف الأطفال المنحدرين من صنعاء، أو الذين قدموا إليها من محافظات مختلفة، للمشاركة في السيطرة الميدانية على العاصمة من قبل أنصار الله (الحوثيين).
يقف فارس حسين (15 عاماً) لساعات طويلة أمام بوابة ملعب "نادي الشعب الرياضي" في منطقة مذبح غربي صنعاء. يحمل سلاح الكلاشنكوف، ويمضغ نبتة القات. قال لـ "العربي الجديد" إنه "ينفّذ مهمّة جليلة ربحها مع الله، وكان يتمنى وجود شقيقه الأصغر معه في صنعاء ليشاركه الأجر". ما زال في المرحلة الإعدادية، وهو في صنعاء حالياً "للجهاد مع أنصار الله الحوثيين". يُضيف: "جئنا من صعدة كي نزيل عن اليمن سيطرة أميركا".
وعن تركه الدراسة في محافظة صعدة، سأل: "هل أدرس لتقتلني أميركا وإسرائيل عندما أكبر؟". أضاف: "عندما أعود إلى مدينتي سأتابع دراستي"، لافتاً إلى "أهمية ما يقوم به اليوم"، واصفاً إياها "بالتجارة الأكثر ربحاً مع الله". لم يأبه لعدم قضائه عيد الأضحى مع والدته وشقيقه الوحيد. قال: "عيدنا هنا، ونحن نحارب الفاسدين". ونفى الحصول على مقابل مادي لقتاله مع الحوثيين، مشيراً إلى أنه يقوم بهذا العمل عن قناعة تامة، وما زال يأخذ مصروفه من والده.
تجنيد
العملية الانتحارية التي استهدفت تجمعاً للحوثيين في ميدان التحرير في صنعاء في التاسع من الشهر الجاري، أوقعت 53 قتيلاً، بينهم عشرة أطفال. وقال مصدر طبي في المستشفى العسكري في صنعاء لـ "العربي الجديد" إنه "في ذلك اليوم، تم إدخال خمس جثث لأطفال إلى ثلاجات المستشفى كانوا قد لقوا مصرعهم بسبب الانفجارات في الميدان".
في السياق، قال أحد المقاتلين في صفوف القبائل في محافظة الجوف (شمال شرق العاصمة) أبو محمد إن "جزءاً كبيراً من المقاتلين في صفوف الحوثيين في الجوف أطفال تقل أعمارهم عن 18 عاماً"، مشيراً إلى أن "غالبية الضحايا في المواجهات المسلحة هم من الأطفال الذين يزجهم الحوثيون في المعارك من دون أية إنسانية". أضاف أن "الحوثيين لا يهتمون بقتلاهم"، متسائلاً عما "إذا كان لهؤلاء الأطفال أمهات يخفن عليهم قبل إرسالهم لمثل هذا المصير؟".
بدوره، أكد رئيس منظمة "سياج" لحماية الطفولة أحمد القرشي أن "عملية تجنيد الأطفال واسعة، ولا تقتصر على الجماعات المسلحة. لكن الجيش النظامي يلجأ إلى تجنيد الأطفال". أضاف: "لا توجد إحصائيات محددة حول تجنيد وإشراك الأطفال في الصراعات المسلحة في اليمن، أو عدد الضحايا نظراً للتكتم الشديد من الجهات الحكومية والمليشيات والقبائل، عدا عن صعوبة رصد الأمر بسبب التلاعب في أعمار المجندين الأطفال، وخصوصاً الملتحقين بالجيش النظامي".
وعن الأنشطة المجتمعية التي تهدف إلى مواجهة هذه الظاهرة، يقول القرشي إن "منظمة سياج تتصدى لهذه الجريمة منذ عام 2009، بالتعاون مع اليونيسيف وسفارة ألمانيا في صنعاء. كما ضاعفت المنظمة حملاتها عامي 2011 و2012، نظراً لتضاعف حجم المشكلة بسبب اتساع دائرة الصراعات المسلحة جغرافياً وإيديولوجيا ومجتمعياً، الأمر الذي دفع بالأمم المتحدة إلى إصدار إعلان يضم جهات وشخصيات يمنية على لائحة العار الخاصة بمن يمارسون هذه الجرائم".
ووصف القرشي تجنيد الأطفال وزجهم في المواجهات المسلحة بـ "جرائم حرب"، لافتاً إلى أنه "يجب التوقف عن ممارستها ومحاسبة مرتكبيها وتأهيل وإعادة دمج ضحاياها".
التزام تاريخي
وقّعت الحكومة اليمنية في مايو/أيار عام 2014 خطة عمل مع الأمم المتحدة لإنهاء ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل القوات المسلحة اليمنية، الأمر الذي وصفته "اليونيسيف" بـ "التاريخي" باعتباره يهدف إلى "حمايتهم". وقال رئيس الوزراء السابق محمد سالم باسندوة: "نلتزم بالخطة التي وقعت لضمان خلو القوات المسلحة من الأطفال".
من جهته، قال المنسق المقيم للأمم المتحدة في اليمن باولو ليمبو إن "هذا الالتزام الذي قطعته الحكومة اليمنية على نفسها يمثّل خطوة مهمة أخرى نحو بناء قطاع أمني مهني ومسؤول أمام الشعب مع احترام كامل لسلطة القانون".
وأُدرجت اليمن، إضافة إلى سبع دول أخرى، على قائمة الدول التي تجند وتستخدم الأطفال. وفي مارس/آذار عام 2014، أطلق الممثل الخاص للأمم المتحدة واليونيسف حملة "أطفال، لا جنود" من أجل وضع حد لهذه الظاهرة بحلول عام 2016.
وأصدرت الأمم المتحدة تقارير احتوت على قائمة بالجهات التي تعمل على تجنيد وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة في اليمن، وهي القوات الحكومية والحوثيين والقاعدة وبعض القبائل. وقال قيادي في الجيش إن "اليمن ما زال بحاجة إلى جهود كبيرة لايقاف الجرائم ضد الأطفال"، مشيراً إلى أن "الدولة التزمت بعدم تجنيد الأطفال. لكن الجماعات المسلحة مثل الحوثيين والقاعدة ما زالت تعتدي على حق الأطفال في العيش بسلام". أضاف لـ "العربي الجديد" أن "الأسرة تتحمل مسؤولية كبيرة كونها تسمح لأطفالها بالانضمام لهذه الجماعات التي ترفع شعار العنف".
من جهته، قلّل أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء عبد الباقي شمسان من "إمكانية تطبيق الاتفاقيات التي وقع عليها اليمن، والمتعلقة بحقوق الطفل، بسبب غياب سيادة القانون. بالتالي، فإن الجماعات المسلحة لن تلتزم بالقوانين المحلية ولا الاتفاقيات الدولية".
أضاف شمسان لـ "العربي الجديد" أن "مفهوم الطفولة في اليمن غائب، ولم يتم الاعتراف بخصوصية الطفولة. لهذا، يتم تعبئة الأطفال من أجل استغلالهم في الحروب أو العمل في وقت مبكر".